قالوا عن الوطن ... و ما قالوا عنه شيئا
قيل زورا أن التراب أولى
من البنين .. فهو الأول و البنين – قالوا زورا – يأتي بعده.. فأي قيمة للتراب ان
جف معدنه الثمين و تنكر لبني جلدته و أصبح مرتعا لكل باغ و جاف و مستعلي .. الم
يغادر البنين ترابنا بحثا عن أي تراب يلقى فيه قسطا من كرامة و عزة نفس ؟ فمن
يصنع من ؟ أين الدماء التي يجب أن تراق حتى نحافظ على الأوطان ان كان هذا الوطن قد
تنكر لأبنائه ؟ أم أننا الآن في حاجة ملحة لاعادة النظر في ماهو الوطن؟ فبقدر
الاطناب في الحديث عنه و استحضاره في كل صغيرة و كبيرة .. بقدر ما تندثر حدوده و
تختفي معالمه في أعين التعساء .. فهل الوطن ماء و سماء و شمس وهواء كما تغنى بذلك
الشعراء على مر الأزمنة و العصور ؟ أم تراهم كانوا يعنون شيئا آخر يكنوه بالماء و
الوطن و الشمس و الهواء ؟ لا يحق و لا ينبغي لمن ينهب و يسلب و يظلم و يطغى أن
يتشدق يوما بما هو الوطن .. فالوطن ان كان ترابا فهو منه براء و ان كان هواء فقد
تسمم بفعلته الهواء و ان كان بشرا .. فكل البشر خصما له يوم اللقاء .. فأين يا ترى
الوطن ؟ الوطن باختصار أيها السادة هو من يلزمني بالوقوف في وجه الظالم .. فهو
العدل .. و هو من يهمزني و يدفعني للصراخ ان كان من يلوث ماءه أو هواءه أو يسلب
أرضه فلا يجد البنين فيه موطئا لانشاء السكن .. و الذي هو يثقل مني الضمير و يزوده
بما يبرحني به جلدا و شتما و تقريعا ان أنا رأيت من يعبث بتاريخه و عقيدته و
يدرجهما في سجل ملاحمه و بطولاته .. الوطن انتماء قبل التراب .. و تاريخ قبل
المسميات .. وعلائق قبل الانفراد ..كل ذلك بناء شامخ يتطاول الى عنان السماء فيمنح
أبناءه الخلص النظر الى آفاق الدنيا و الآخرة فلا يضع المخلص قدمه الا عند منتهى
بصره .. هذا هو الوطن أيها المواطنون ..
Commentaires
Enregistrer un commentaire