قراءة في لبنات العنوان
قراءة في لبنات العنوان ومؤشراته
العنوان موحٍ جدا؛ ويمكن عدُّه بمثابة "فكرة عامة" للكتاب، فهو كاشف، يصرح ولا يُخفي كما جرت عادة واضعي العناوين؛ يصرح بأن العقل المسلم يعيش حاليا "محنة" حقيقية، يتجاذبه فيها طرفان متخاصمان؛ فهو حائر بين الفطرة التي تدعوه كي يتشرب من المنبع الصافي للوحي: كتابا وسنة، وبين "هوى" يطمع ممثلوه أن يسيطروا على مفاصيل التفكير في حياتنا المعاصرة.
فلنفكك عناصر العنوان أولا:
ـ "المحنة" مصدر لفعل "مَحَنَ"؛ أي خَبره وجرَّبه، وعذبه فاشتد في تعذيبه، فالمحنة بهذا المعنى تفيد البلاء والشدَّة.
ـ "السيادة" تفيد السلطة، والغلبة، والرفعة، والمجد، والبروز، والشيوع، والرجحان، والتفوق على الغير أهمية وتأثيرا، والاستقرار، والاطراد من دون تعكير. وسيادة الوحي؛ احترامه وتطبيقه، وجعله مهيمنا على ما سواه.
ـ "السيطرة" تفيد في اللغة نفس ما تفيده "السيادة"؛ فهما يعتبران من المترادفات، إن جاز لنا ان نؤمن بوجود الترادف في اللغة العربية. لكن الأستاذ لا يستعملهما كمترادفتين؛ فلماذا إذن "سيادة الوحي"، و"سيطرة الهوى"؟
الفرق أن السيادة تأتي نتيجة القَبول والاقتناع والرضى، أما السيطرة فنتيجةً للتحكُّم.
ـ الهوى أصله الدَّويّ في الأذن. ويفيد معاني كثيرة جدا، لكن الأستاذ يستعمله للدلالة على "الزيغ والميلان عن الحق" ، فصاحب الهوى بهذا المعنى ـ وكما يقول الشعراوي رحمه الله ـ "يهوى حكما في شيء ثم تأتي ظروف أخرى فتجده يهوى حكما مقابلا" . والمرجع قول الله تعالى: "فاحكم بين النّاس بالحقّ ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله" (محنة العقل المسلم ص 26)، وقوله أيضا: "ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من الله" (القصص 50) وقوله أيضا: "أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم" (الجاثية 23).
وهذا يعني أن اتباع الهوى يؤدي ضرورة وحتما إلى "الضَّلال".r
Commentaires
Enregistrer un commentaire