عبد السلام ياسين رجل المواقف و العزة
في سنة 1994 صدرت الطبعة الأولى من كتاب "محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى" للأستاذ عبد السلام ياسين ـ رحمه الله ـ والذي كان حينها محاصرا في بيته جرّاء الإقامة الإجبارية التي فُرضت عليه منذ سنة 1989، وكان يبلغ حينها السادسة والستين من عمره.
يقع الكتاب في 127 صفحة، ومقسم، بالإضافة إلى مقدمة، إلى 37 مقالة قصيرة.
سياق الكتابة والنشر
في الحقيقة، لا نملك أية مؤشرات توضح لنا "زمن كتابة" هذا النص ولا سياقاته، وإن كنا نرجِّح أن الأستاذ كتبه أثناء وجوده في "الإقامة الإجبارية"، في إطار محاججته للمفكرين العقلانيين العرب، الذين لا يبرحون يبحثون عن "سلف لهم في اللائيكية؛ فينادون شبح ابن رشد، ويلتمسون عند المعتزلة آباء أصلاء للعقلانية الجريئة" [2]، ورغبة منه في نسف مقومات تفكيرهم وأدواتها. فهو يصرح بأن مقصوده منه هو تتبع "المقالة اللاييكية لندحض الزعم الحداثوي ونتقدم بأن الحكم الشوري والعقل المتدين المتعلم بلا حرج من كتاب الله وكتاب العالم، كفيلان وحدهما بضمان الحياة والقوة والتنمية والوحدة للمسلمين" [3]. هذه التصورات يعتبرها مضرة بالشباب، الذين ـ لقلة خبرتهم ـ يسارعون لتبنّي أية طريقة تفكيرٍ تبدو ناجعة في تفسير تخلفنا، وتطرح مشاريع مستقبلية لنهضتنا. فيجب ألا ننسى أن الكتاب سُبق بسلسلة من الكتب التي تقوم بنفس الدور؛ ونذكر هنا: "حوار مع النخبة المغربة" (محاضرة، 1981)، و"الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية" (1987)، و"الإسلام والقومية العلمانية" (1989)، ثم بعده مباشرة؛ أي بعد شهور صدر كتاب "حوار مع الفضلاء الديموقراطيين" .
أما "زمن النشر" فالظاهر أنه ليست هناك ظروف، يمكن اعتبارها "مناسبة الصدور"، ولكننا نعلم ـ إن جاز لنا أن نتحدث عن هذا الأمر هنا ـ أنه ظهر في لحظة حرجة جدا من تاريخ المغرب؛ عندما كان الملك الراحل الحسن الثاني قد بدأ يُعدُّ لما سمي بـ"التناوب"، وما رافق ذلك من "توافقات" مع اليسار بدأها بإظهار "حسن نيته"، وذلك بمحاولته إغلاق ملف المعتقلين السياسيين، واستثنى الإسلاميين من ذلك.
Commentaires
Enregistrer un commentaire