النبع الصافي هناك فوق الجبل
في قديم الزمان كان ملك يحكم بلدة نائية تقع بين السفح و الجبل .. اعتمد في سبيل اخضاع شعبه على ساحر ماكر ملك من اساليب الخداع و الدجل ما أخضع به رقاب الناس له ... .. أما في أعلى الجبل فقد استقر شيخ ورع .... فر من دجل الملك و الساحر بعدما أعيته الحيلة و المحاولة مع كافة السكان الذين خضعوا للملك تحت وطأة السحر و القوة .... مر زمن طويل و ما عاد الحديث الا عن الشاب النابغة و الذي أصبح لا يغادر قصر الملك يعلمه فنون السحر تحت اشراف الساحر لقد اصبح ذا حضوة بالغة عند الملك بعدما أحس بقرب رحيل الساحر ... فالملك لديه لا يمكن أن يستمر الا تحت وطأة السحر : بالسحر يصبح فساده صلاحا و فسقه مباحا وظلمه للرعية في السياسة نجاحا ... .... سمع الشاب مرة بالشيخ الورع وعزم أن يذهب اليه خفية عن عيون الملك ... ووصل اليه : - سيدي من أبعدك ؟
- سمعت أنك لا تغادر قصر الملك
- نعم يعلمني ساحره
- كيف وصلت الي ؟
- خفية سيدي
- أين يسكن الملك ؟
- في قصر مترامي الأطراف
- كم بشرا يحرص القصر ؟
- نصف سكان القرية
- و النصف الثاني ؟
- في فقر و عري وجوع و خوف
- ماذا تعلمت من ساحره ؟
- أن أحدث الناس عن قدسية الملك و هيبته و أن الأرض لا تنبت الا باذنه و أن السماء لاتمطر الا بأمره و أن الريح طوع بنانه و أن الأرواح ملك يمينه
- يملك الأرواح و الرياح و الاشباح فلم يحتاج الى نصف سكان القرية ليحرصوا قصره ؟؟؟؟
- سيدي من أجل ذلك جئتك ... بالأمس كنت أبالغ في تقديس الملك للناس و بالليل رأيته يبلل ثيابه بعدما أفرط في الشرب و استحييت من نفسي
بقي الشاب يتردد على الشيخ زمنا طويلا دون علم الملك ... ويقضي يومه في تعلم السحر ... شباب ممزق بين نداء الفطرة العلوي ومكر السلطان الجائر الذي يريد للرقاب أن تبقى غارقة في الغضوع تحت وطئة الدجل و التزييف ... مهمة الساحر سابقت الزمن و تلبست بلبوس العصر لتتخذ لها أسماء جديدة : الصحافة بكل تصانيفها ... ملأت على الناس عيونهم و أبصارهم و أسماعهم وجملت واقعا مريرا بئيسا كئيبا فجعلت منه جنة و حريرا ومعازيف مأجورة أضافت للمشهد بعدا جديدا يتغنى بالظلم و العهر و النفاق على أنه العدل و الشرف و الصدق فأصبح الحليم حيرانا ... غير أن الشيخ الورع ما يزال هناك فوق الجبل لمن أراد أن ينهال من النبع الصافي.
Commentaires
Enregistrer un commentaire