التقاعد : مصيبة المصائب
حدثني من عاش
بينهم ان جل الغربيين يبكون بدل الدموع دما اذا وصلوا الى المعاش .. يعتبرون ان
حياتهم قد انتهت .. ولما نذهب الى الغرب .. فمنا الكثير من يشحب وجهه و تتثاقل
خطاه وتقل حيلته وينزع عنه سلطانه الزائف الذي كان يحيى به وقد ظن انه لا يموت
ابدا حين كان يجلس في كرسيه الوثير ولا
يأذن الا لمن شاء بالدخول و يعبس في الوجوه
ينهر و يزمجر ....ووو... الان و قد جاوز الستين وخانه كرسيه اللعين .. الان
يبحث عمن يجلس معه في احدى المقاهي ليتحدث عن الايام الخوالي .. ايام السلطان و
الامر و النهي .. هنا تصبح عقارب الساعة و كأنها قوائم السلحفاة .. تمعن ببطئها
المتعمد في تعذيب النفس الجريحة .. يعمد ليلا الى الفراش ..ينتظر صبحا معتادا
ليعقبه مساء مألوف لن يأتي بالجديد .. وتستمر المأساة .. والنفس تموت في اليوم الف
مرة ... في الغرب و كما يقال حيث التقاعد المريح .. يركب العجائز في حافلات فارهة
مريحة تطوف بهم كل القارات عسى تتجدد في اعينهم الحياة ... هيهات .. هيهات ..
العجز يلازمهم .. و صورة الحياة التي يبحثون عنها من خلال نظارات دائرية غليظة غير
واضحة المعالم .. تنتهي الرحلة بعد اشهر من انطلاقها و يعود العجائز الى معتقلاتهم
يائسين .. انها دورة الحياة المملة الفارغة من غاية نبيلة ... فهل الى سبيل اخر
يقينا ويلات التقاعد المريح المقيت البئيس المميت ؟؟ هنا ايضا لن أهب بكم بعيدا :
فقصة الحمار الذي تعلقت معدته بجودة العشب ظلت اسلاك الحظائر تنهش ظهره زمنا طويلا
الى ان استفاق من سلطة معدته بعد ان وجد نفسه بجانب عقاله الاول .. اعرف اناسا و
يعرفهم الجميع ... فهم بين اظهرنا ... حينما خبروا المهام التي اوكل الله اليهم
وجدوا انه من العسير ان يستمروا في وظائفهم الدنيوية فتقدموا بطلب التقاعد النسبي
او المغادرة الطوعية حتى يتفرغوا للامر الجلل .. امر الدعوة الى الله ... منهم من
قضى نحبه .. ويا لروعة الحياة التي قضاها .. ملأها الرضى و النور .. سار في
جنائزهم الالوف .. و اصبحت قبورهم مزارات لا تفتر عنها الخطى .. لله ذرهم .. لم
يأبهوا لعقارب الساعة .. ولا شكلت هاجسا ولا حتى هما ضئيلا الا بقدر قتالها حتى
يتمكنوا من ملأها بما به يسعف الانام .. كل الانام .. قالوا وكان قولهم حق ورب
الكعبة : امالنا اكبر من اعمارنا .. فما وجدوا متسعا لركوب الحافلات الفارهو و
الهروب من كئابة المشاهد عبر زجاج غليظ ... انه الارتباط بالوظيفة الاسمى .. وظيفة
الدلالة على الله عز و جل .. وظيفة لا تسلمك للتقاعد ... بل تجعل منه اجل فرصة
لتسريع الخطى نحو باريها .. اللهم لك الحمد بكل المحامد التي حمدك بها حبيبك و
حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم.
Commentaires
Enregistrer un commentaire