دون سابق إنذار

بقلم:ذ.مصطفى سنكي
     دون سابق إنذار ورغم استكمال الإجراءات الإدارية، تدخلت السلطات التركية لمنع مؤتمر لمؤسسة عبد السلام ياسين بعد انطلاق جلساته العلمية صبيح السبت 16 يناير 2016 بأسطنبول؛ المؤتمر يندرج في إطار التعريف بمشروع العدل والإحسان التغييري، فبعد مركزية القرآن الكريم في نظرية المنهاج النبوي، اختير محور التغيير عند الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، والذي لبى الدعوة لمناقشته وتحليله ثلة من أهل الفكر ورجالات الدعوة.
    لقد جاء قرار المنع غامضا من قبل السلطات التركية وهي التي رخصت لتأسيس مؤسسة عبد السلام ياسين وفق قوانينها قبل سنة، مثلما جاء التفاعل مع القرار حجما وتوجها عاما مثيرا للاستغراب والشفقة على طائفة ممن ركبوا مطية الشماتة في الجماعة مستبشرين بتضييق الخناق عليها، مهللين لما اعتبروه تناغما وتوافقا في الموقف بين السلطات التركية وبين النظام العربي الرسمي من الحركات الإسلامية ذات المشاريع التغييرية.
     وإذا كانت الأيام القابلة كفيلة بكشف ملابسات القرار وفضح الجهات التي كانت وراءه، فإن ما نسيه الشامتون أو تناسوه هو: لماذا اضطرت العدل والإحسان كغيرها من المعارضات للبحث عن محضن لأنشطتها خارج حدود بلدها؟ أليس في ذلك اتهاما للنظام الذي لا يتسع صدره لغير رأيه وتوجهاته؟ وفي حالة العدل والإحسان، هل الجماعة متهمة في تصورها لعملية التغيير والإصلاح؟ هل يشم في فكرها جنوح للتطرف والعنف؟ هل تهدد أنشطتها السلم المجتمعي؟ إنه عوض الاصطياد في المياه العكرة، كان الأولى أن يناقش واقع الحريات في المغرب وحقيقة ما يرفع من شعارات الدمقرطة وفصل السلط واستقلال القضاء، وإلا ما معنى أن تصدر عشرات من الأحكام من مختلف المحاكم بقانونية الجماعة ثم يصر النظام على حظر أنشطتها والتضييق على أعضائها بمبررات واهية؟ أليس من حق الجماعة، وفي إطار القوانين المعمول بها استعمال الفضاءات العامة والإعلام العمومي بسطا لتصورها وعرضا لمواقفها من مختلف القضايا المجتمعية؟ أليس الأولى أن تنظم الجماعة مؤتمراتها وملتقياتها في المغرب عوض اللجوء للخارج؟
     إنه بدل تحريف النقاش وتصديره إلى الساحة التركية في محاولة غير نظيفة للنيل من التجربة الديمقراطية التركية والتشويش على حزب العدالة والتنمية الذي يحمل لواء الممانعة لمخططات التطبيع مع الاستبداد واتهامها بالنكوص والرضوخ لضغوطات خارجية بسبب مواقفها المبدئية من نضال الشعوب من أجل التحرر، وتفسير ذلك انتصارا لمحور الاستبداد إقليميا ودوليا؛ كان الأولى طرح السؤال الجوهري: ما هي مسوغات التضييق على المعارضات السياسية المقترحة لمشروعات مجتمعية: العدل والإحسان نموذجا؟ هل الخلل في الجماعة التي رفضت الانخراط في ملهاة تسويق الأوهام واحترمت ذكاء الشعب أم في نظام ــ لا فرق بين قديم عهده وجديده ــ درج على التحكم في السلطة والثروة والمبادرة وترك للفاعلين السياسيين الهوامش تسويقا لتعددية سياسية مزيفة؟
     إن القضية ليست قضية جماعة حوصرت محليا وتُوسل للتضييق عليها خارجيا، بل هي قضية نظام استمرأ الإجهاز على الحقوق والحريات وفوّت ويفوّت على البلاد فرص الإصلاح الحقيقي وتوفير شروط التنافس بين مكونات المجتمع وفضلائه لبناء صرح مغرب يسع الجميع.

Commentaires

Articles les plus consultés