المناهج التربوية المغربية : اي فلسفة ؟


اطلالة خاطفة على المناهج التربوية المعتمدة في المدارس و الجامعات .. تفيد بشكل سريع ان القائمين على بناء المشروع المجتمعي للامة المغربية المسلمة قد اغفلوا وبشكل يكاد يكون كاملا كل المبادئ و القيم التي تشكل فعلا المخزون الثقافي و النفسي للمغاربة .. هذا المخزون و حسب كل الخبراء في مجال العلوم التربوية و الاجتماعية و النفسية عامل حاسم في تهيئ المبادرات و تحريك القدرات الحقيقية للمجتمعات البشرية بصفة عامة وتوظيفها في اتجاه تكثيف الروابط الاجتماعية وتدعيم الانتماء للوطن.
       فيما مضى كنت استاذا لمادة التربية البدنية واثناء الاحتماء الذي يقوم به التلاميذ عادة في بداية كل حصة قمت بتصفح المقرر الرسمي لمادة الفرنسية للسنة الرابعة اعدادي  -- هكذا كانت تسمى – فلفت نظري رسم بالابيض و الاسود على هيئة "الكاريكاتور" لرجل صاحب لحية وعمامة يتقاطر الدم من انيابه و يحمل بيده رأس امرأة ينزف دما ويقول باللغة الفرنسية  Il a voulu l’embrassé mais il lui a coupé la tête     وفي الصفحة المقابلة مباشرة صورة بالالوان لرجل يحمل فتاة شقراء جميلة على دراجته الفخمة في جو من الرومنساية  وتساءلت : من يضع هذه البرامج لابناء المسلمين ؟ وكيف سيكون شعور المراهقين امام هذين المشهدين ؟ لماذا نلصق باللحة و العمامة ما ليس منهما ؟ بعد ذلك باعوام واثناء جمع المادة من اجل  اعداد البحث لنيل دبلوم مستشار في التوجيه التربوي بمركز التخطيط و التوجيه التربوي بالرباط .. صدمت بما هو ادهى و امر : عثرت في مكتبات بعض الاعداديات موسوعات على موسوعة مكونة من عدة مجلدات قد صدرت بموضوع يتحدث عن المراهقة و ما يرتبط بها من موضوعات ( الغريب أن المسؤولين قد بدأوا بتوزيع هذه الموسوعات على الاعداديات بالعالم القروي أولا : جس نبض )   هذه الموسوعة قد ملئت بصور لشباب عار كما ولدتهم امهاتهم ولرجل عار كذلك يحمل طفلا عاريا على كتفه .. وقد دونت كل هذه الاشياء في البحث الذي اعددته ..  وقد قام بعض البرلمانيين بالاحتجاج فتم سحب هذا العار من مؤسساتنا[1] .. وتساءلت : من المسؤول عن هذه المصائب ؟ من المسؤول عن هذا السعي الحثيث من اجل تخريب قيم هذه الامة ؟
كانت الدراسة التي قمت بها في مركز التخطيط و التوجيه التربوي تبحث في مدى تصريف الفلسفة العامة للمغرب -- و المتمثلة في ان الدين الاسلامي هو الدين الرسمي للامة المغربية و ان المغرب دولة اسلامية -- في المناهج و البرامج التربوية  وكذا على مستوى الحياة المدرسية و الزمن المدرسي ونسبة توفر اماكن الصلاة داخل المؤسسات التربوية .. وقد كانت النتائج صادمة .. ففيما يخص توفر اماكن الصلاة داخل المؤسسات التربوية فقد كانت النتائج على الشكل التالي :
--95 في المائة من المؤسسات التربوية لم تكن محتوية  في الاصل على اماكن العبادة,
-- 5 في المائة من المؤسسات توجد فيها مساجد اصلية
-- 90 في المائة توجد بها قاعات غير ملائمة خصصت للصلاة
90 في المائة من الشعب المغربي يريدون ان يكون هناك مكان للصلاة داخل المؤسسات التعليمية في حين ان المسؤولين غير راغبين في ذلك بنسبة 95 في المائة ؟  هنا نطرح تساؤلنا المشروع : اين نستطيع العثور على تصريف الفلسفة التي تصدرت كل البنود المشكلة للدستور المغربي و القاضية بان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة المغربية ؟
المخزون النفسي للشعوب[2] :
     ماذا نقصد بالمخزون النفسي للشعوب ؟ و ما الدور الذي يمكن ان يضطلع به هذا المخزون في تحريك الطاقات و تحرير المبادرات  و تحفيزها للقيام بالصالح العام ؟
     يفيد مصطلح " المخزون " في التعبير عن التراكمات الثقافية و المبادئية لدى الاشخاص و المجتمعات بصفة عامة ’ غير ان المفهوم لا ينبغي ان يؤدي الى تجاوز العلاقة المفترضة – سواء تعلق الامر بالتباين الحاد او الانسجام الغالب--  بين المخزون النفسي  الشخصي من جهة و الاجتماعي من جهة اخرى .. و المقارنة بين هذين المخزونين هو ما قد يشكل العنصر الاساس في الحكم على طبيعة مجتمع ما ..
البديهي ان المجتمع هو جماعة من الافراد تجمعهم عادات و تقاليد و مبادئ وقيم تشكل في العادة ذلك الرابط المعنوي الذي يسهم في تابيد العلاقة الايجابية الضامنة لاستمرارية المجتمع في توازن وتكافل .. هذه القاعدة ليست حكرا على بني الانسان بل هي قاعدة عامة تنصبغ بها كل الكائنات الحية حسب ما توصلت اليه العلوم الحديثة .. و أوضح الامثلة على ذلك مجتمع النحل و النمل و الاسود و الذئاب و غيرها .. حيث تنتظم هذه المخلوقات وفق قوانين غاية في الدقة و التنظيم  من حيث التواصل و التعاون و التعاضد و الدفاع المشترك و نكران الذات بشكل كامل و التضحية بالنفس ان تعرضت المجموعة لاي خطر خارجي .. فالمادة الاساسية في تشكيل اللحمة بين عناصر المجتمع الواحد هي من الفطرة التي فطر الله كل الخلائق عليها حيث التكامل الذي نراه بين عناصر الكون و اجناس الوجود .. غير ان ما ينبغي الاشارة اليه هو ما عهد به للانسان في شأن تعهد فطرته التي تبدأ نقية .. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور : يولد المولود على الفطرة [3].. و هذا من مقتضى المسؤولية التي جعلها الله في عنق من قبل التكليف و حمل ما لم تستطع حمله السماوات و الارض و الجبال .. الانسان. تحمل مسؤولية الاشراف على ترتيب وتنظيم وتنسيق ما ينضاف الى رصيد الفطرة المغروز اصلا في كيانها القادم الى الوجود في ثناياها .. فالمسؤولية تستعر حين الحديث عن طبيعة و كنه وجوهر هذا المضاف الى الفطرة السليمة ..على اعتبار ان ما شحنت به الفطرة مادة قابلة للزوال و التحويل و التشويه و التحريف .. فهناك الاصل الفطري القادم من عالم الذر و هناك المضاف الأرضي الناتج عن التربية و المخالطة و النسابة و المصاهرة .. الاصل زكاه الحكيم العليم و المضاف هو ما شكل جوهر التكليف الذي خص به الانس و الجان من غير خلق الله اجمعين ...



[1] كان ذلك في الموسم الدراسي 2001/2002 وقد عثرت على هذه الموسوعة باعدادية ببني تدجيت اقليم فجيج
[2] يقول الاستاذ عبد السلام ياسين  في كتاب الاسلام و القومية العلمانية  "الثورة الإسلامية في إيران أيقظتهم كما أيقظت العالم إلى أن "المخزون النفسي" في الشعوب الإسلامية طاقة حبلى بكل المفاجآت، فتسمع الحلول التلفيقية التوفيقية وهي تتحول نغمة أناشيد جماهيرية".
[3] البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

Commentaires

Articles les plus consultés