المعصية الاولى
كان النبي الكريم ادم
عليه السلام و زوجه في الجنان يمرحان و
يسرحان .. ياكلان من كل شيىء كريم .. لا
عظة الجوع له فعل و لا قبظة الظمأ لها أصل .. فاللذة هي الاصل .. لا الجوع و لا
الظمأ لهما سلطان على الجسدين الطليقين .. غير انه كان مزودا بشيىء غير رغبة اللذة
.. انها الرغبة في المحظور والذي تنتج عنه
لذة غير مجربة حيث خلقت لذيه توقانا الى
ما لا يدركه ولكن يستشعره ويضع تقديرات شعورية غير مرئية ولا محسوسة لأبعاد
احتمالية تنتج عن تحقيق هذا المحظور .. وهنا انضاف بعد اخر لم يجربه آدم عليه
السلام من قبل .. انه الشيطان و الذي من خصائه الخاصة ان يمتطي ذلك العنصر التواق
في نفوسنا و يشحنه بمزيد من الرغبة بعد أن يبخص ويحط من قيمة كل شيىء مباح ..
الامر الذي ينتج عنه الشعور بالحرمان و الضيم .. هنا تقع المشكلة .. تصبح الحياة
عبء كلها .. حينها يتعطل الفكر القويم و يصبح البحث عن الخلاص في تحقيق ذلك
المحظور هو الشغل الشاغل للفكر .. وقد كان الاجدى أن نبحث أولا في طبيعة ذلك
المحظور و عن و ظيفته ثم نقفز نحو تقييم حياة من حظوا به وكيف أثر في صيرورة
حياتهم .. ليست ثمار الشجرة هي التي أغرت ادم عليه السلام و لكن ما صاحبها من
اغراء و تثمين من قبل الشيطان الرجيم .. يحكى أن حمارا كان في عقاله يقتات من حائط
صاحبه المسيج .. وحين رفع رأسه رأى حائطا
اخر اجمل من حائط صاحبه .. العشب فيه اوفر و ألذ .. فاغتم و حزن وعادت لذة العشب
الحاضر في فمه على غير ما كانت قبل ان يرى البستان الثاني .. امتنع عن الاكل و
بدأت منه المحاولات من اجل ان يتنصل من عقاله اولا ثم ان يجد له ترعة في السياج
ثانيا ..وما اتعسنا و نحن نحاول ان نحقق احلامنا – كيفما اتفق – والتعاسة هنا تاخذ
واحدا من بعدين اثنين : اما الاول هو ان يتوالى تحقيق احلامنا المنبثقة عن الاغراء
و الاستغراق فيها بيسر يسير و هذا ما يسمى بالاملاء الذي ياتي بعده القسم الا ان
يعفو العزيز الجبار ... اما الثاني فيتمثل في امتناع تحقيق احلامنا و تعذرها ..
هذه اهون من الاولى لان الانفكاك عنها ايسر و اسهل .. غير ان عدم الاهتداء و الاتعاظ
قد يسبب حزنا و غما ممتدا تكون له الاثار البالغة على الاستمرار في التعامل مع
مدلهمات الحياة .... نعود الى حمارنا الحزين و الذي استطاع ان ينضم الى الفريق
الاول حيث استطاع ان ينفك من عقاله و يجد له منفذا الى الحقل الثاني حيث العشب
الوفير و العيش اليسير .. كان الحمار ينظر الى عقاله نظرة السجين الى حديد الابواب
.. لازمه العقال زمنا طويلا .. كلما اخرجه سيده من الاصطبل الا وقيده و اوثقه
رباطه .. بالنسبة له فان العقال حرمان و اسر و بالنسبة لسيده حماية و حصن و انا
للحمار ان يفهم هذا ... رتع في الحقل الثاني ثم رفع رأسه ثانية .. فاذا بحائط اجمل
و ابهى و اوفر عشبا و انقى .. تسلل اليه ايضا و قبل ان يقضم حزمة عشب رأى حقلا اخر
لا يضاهى .. و بقي يتنقل بين الحقول و البساتين حتى ادرك اخيرا انه فعلا حمار وقرر
الا يغادر الحقل هناك حيث تجلى كأنه جنة من جنان الخلد .. و حين دخله وجد عقاله.
زودنا الله عز وجل
بحواس تشترك في الطبيعة مع كل اجناس الوجود و عناصر الكون .. تعكس المظاهر فاذا
بالحكم عليها على غير ما هي عليه .. حيث يخضع هذا الحكم لقوانين و تجليات مختلفة
تتمظهر على صفائح نفوسنا من منطلق السعي في تحقيق الشهوة و الرغبات الانية و
المحكومة هي ايضا بالنزوات بعيدا عن تحكيم العقل الذي زود باليات المنطق المحايدة
اصلا و القادرة – ان هي حافظت على ثوابت الفطرة النقية – على ان تلجم النزوات
بلجام الحكمة العابرة للشهوة و الكابحة
لها .. لم يكن ادم عليه السلام حالة فريدة في تاريخ البشرية المديد .. حينما نقل
القران الكريم قصته مفصلة واضحة لم يكن ذلك من باب الاخبار بحادثة كان والدنا
الاول بطلها .. بل كان ذلك من باب الوعظ و التحدير على اعتبار انها ستتكرر مع كل
بنيه من بعده .. ذلك ان الذي اغراه و اوقعه في شباك العصيان هو الذي اقسم لخالقه
انه سيفعل الشيئء نفسه مع ذريته و انه سيحتنكهم و سيضلهم ايما ضلال .. ما يزال
الانسان يرتكب المعصية الاولى رغم كل التحذير و التنبيه .. ما زال الانسان ينصت
للشيطان و ما زال الشيطان ينزع عن الانسان لباسه .. و لان كان ادم و زوجه عليهما السلام قد طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة .. فان انسان
زماننا هذا قد الف العري و السفور.... ادم
عليه السلام كان الانسان الذي وقع عليه الاختيار ليخوض تجربة كي يعطينا نحن
النمودج الاسمى في التعامل مع مثل هذه التجارب .. ارتكاب معصية في حق رب العالمين
تحت وطأة التحريض و التزيين والتي ألبسته ثوب النسيان .. ثم بعد ذلك استدراك من
قريب و ندم و رجوع فوري عن المعصية وتوبة و ندم و عزم الا يعود للمعصية مرة اخرى
... هذا هو النمودج الاسمى في التعامل مع المعاصي .. اما اذا تم التناسي و التمادي
كان بعدهما التردي في مدارك الهوى و السحق عن جادة الهدى ... زود الانسان بقدرة
الاستدراك و الرجوع عن الغي .. وهذه القدرة هي اقوى و اوثق من القدرة على تفادي
المعصية من أول الامر .. حكمة ذلك ان يتذوق الانسان حلاوة ولذة الرجوع الى الله
بعد ارتكاب المعصية .. انها وسيلة الانسان في اكتشاف ذاته وسبر اغوارها و الاحاطة
بكل ابعادها و امتداداتها .. من اجل ذلك كان استعمال الفطرة السليمة من أجل الادوات و أنفعها في
سبيل الوقوف على حقيقة ما يرتبط بعواطفنا و شعورنا من حالات الرضى و الغضب و الفرح
و التعاسة و على حقيقة ما يصدر عنا من ردود الافعال و الانفعالات و الاقوال و
المواقف و غيرها .. و اضرب لذلك مثالا حتى تتضح المسألة بشكل جلي : الفطرة السليمة
تدفع و تستوعب من منطلق صفائها و نقائها .. هي الالية و الميزان بالنسبة للقلب
السليم على اعتبار انها نقية طاهرة .. يحيى صاحبها مادامت نقية طاهرة مرحلة
الاستغراق و الاتصال بالمدد الكوني القادم من مشكاة الرب عز وجل في علاه وتلك - لعمري – هي السعادة في ارقى معانيها ..
ولنفترض الان أن هذه الفطرة قد أذعنت للشهوات وسقطت على حين غرة في مدلهمات الحياة
.. فلا شك ان صاحبها سيتذوق من صنوف التعاسة و الشقاء ما لا يمكن وصفه على اعتبار
انه سبق وان تذوق حلاوة الايمان حين كان قريبا من خالقه عز و جل .. و لصاحبها في
هذا السياق القدرة على الرجوع الى الله عز و جل اكثر بكثير مما لذى الذي لم يجرب
قربا ولا ذاق حلاوة .. فان اتفق و عاد صاحبنا الى الجادة ..فان عوده سيكون اعمق
حلاوة من ذي قبل و تمسكه بالجادة سيكون
أقوى و أشد.
تلقى ادم من ربه كلمات فتاب
عليه .. و تلقينا نحن كلمات من ربنا عز و جل فكان الاهمال و الهجران الا من رحم
الله العزيز الحكيم .. نفتتح الصلاة و القران الكريم بالثناء و الحمد و التمجيد
لرب العالمين و هو في علاه سبحانه ثم فجأة نستحضره : اياك نعبد و اياك نستعين
اهدنا الصاط المستقيم .. نقلة عظيمة ترفع من استوعب الموقف الى مصاف الانبياء
عليهم الصلاة و السلام .. حيث تلقينا نحن ايضا كلمات منه سبحانه فنرددها في كل
صلواتنا ليتوب علينا كما تاب على النبي الكريم ادم عليه السلام .. من اجل ذلك سن
الاستغفار و سنت التوبة بعد كل صلاة مكتوبة ... تلقينا الكلمات .. غير ان نوازع
النفس القوية المرتبطة بالتحريض الازلي غالبا ماتكون أقوى و أشرس .. وحدث بعدها عن
التردي في مدارك الهوى و النسيان
Commentaires
Enregistrer un commentaire