انها قصتك ... نعم قصتك انت

رجل تم الدفع به الى غابة فسيحة .. كثيفة الاشجار .. مفعمة بالثمار .. مزدحمة بالمسالك .. منها ما يقود الى المهالك .. و منها واحدة تخرجك من الظلام الحالك .. وقف صاحبنا ينظر أمامه .. و قد أعطي قطعة من ورق مقوى كتب عليها بحروف داكنة و خطوط واضحة بائنة ... كلها تشير الى نقطة واحدة .. كفيلة ان توصله الى المسلك السالك ... ان اراد ان ينجو من هوام الغابة ... ويفوز من الثمار بما لذ و طاب .. حيرة تعتصر قلبه و خوف ذهب بلبه .. أخبر أن الغابة مليئة بالهوام و السباع و الضباع و الحياة .. التفت وراءه  فلم يرى أحدا .. بحث في كل الاتجاهات عسى أن يعثر عمن القى به في هذه المدلهمة .. احتار المسكين و نسي الورقة التي في حوزته .. و خطى أول خطوة يتفحص مسالك الغابة و ايها يا ترى يكون المسلك الذي يقود الى البر الامن .. أحس بالجوع و العطش و الرغبة فيمن يؤنس وحشته .. فأصبح ذلك شغله الشاغل .. بين الفينة و الاخرى ينظر نظرة خاطفة الى الورقة التي بحوزته .. فاذا فيها : كل من الثمار ما خف حمله و طاب طعمه و احرص على التشبت بالمسلك السالك .. غير ان عظة الجوع و قرصة العطش لا تبقي له متسعا يستوفي من شروط العقد المبرم .. لحظة : هناك ضجيج غلمان و لعب فتيان .. انهم اتراب .. فسلم و ردوا السلام .. ثم انضم الى وسط الزحام .. ثم تذكر فقال : هل تحملون كما احمل ... ورقة  تشير و تدلل .. فعلت من بعضهم الضحكات .. و تواصلت الرقصات .. فانسل بعضهم من الجمع الغفير ... و انفردوا  بالوارد الجديد  .. ذهبوا هناك قرب الوادي  حيث الماء و الطير الشادي .. قال بعضهم قد شغلنا هاهنا  .. لا ندري شيئا من امرنا .. وقال اخر قد نسانا الجمع الغفير .. أن بالغابة أمر خطير .. و قال بعضهم دعونا نرجع الى الاصحاب .. وغدا نجوب الرحاب ... بحثا عن الطريق الصواب .. فرد عليه اخر .. كان هذا حديثك على الدوام .. وتوشك ان تكون طعاما للهوام .. وقال اخر قد مر زمن طويل .. حين انحرفنا عن جادة السبيل .. هيا اخرجوا اوراقكم ... و حضروا ادهانكم .. فالرجوع الى السبيل السالك .. دوننا و دونه ليل حالك .. وقد قطعنا وديانا وفجاجا .. حتى انطفأ سراجنا الوهاجا .. فبماذا تنصحون .. و أي طريق تسلكون .. ثم قال ابسطوا الاوراق ... ولنترك الجدل و الشقاق .. و الوارد الجديد ينظر .. ويشفق لاخوانه و يتحصر .. فمر عليهم نفر من الاخرين ... شامتين بهم و ساخرين .. وبعد جدل طويل .. وقال وقيل .. انسحب نفر ولم يبق الا القليل .. وشعر الباقون بالتحصر .. و الوافد الجديد ما زال ينظر .. منهم من يشير يمينا .. و البعض منهم ظل مستكينا ... لا يقوى على الكلام ... و قد حارت في المسلك الافهام ... وبينما هم يبحثون ... و يدققون ويرجحون .. هاجمتهم حيات وسباع كثيرة و تفرق الجمع شتاتا .. غير أن بعضهم ظل ينادي على الجمع الا يتفرقوا و الا صاروا ضعافا لا يقوون على مواجهة الصعاب .. فتسلق بعضهم الاشجار وبعضهم سقط في الوادي .. و الوافد طفق ينادي ويحث على مواجهة الاخطار .. و ان كان ظاهرها عسير ... وتنبئ بالويل و الثبور .. عودوا فلم تباغتكم الضواري الا لأنكم على وشك العثور على الطريق السالك .. فهم الاصحاب قصده  وعاد اكثرهم اليه .. متسائلين عن حكته و شجاعته .. و حنكته و نباهته .. فلما سألوه عن ذلك .. قال ان أردتم أن تعرفوا السر فأخرجوا أوراقكم  وقارنوها بالتي في حوزتي .. فلما فعلوا اكتشفوا السر .. حيث أن ورقته ما تزال واضحة المعالم .. لم تؤثر فيها رتابة الزمن الماضي ولا صحبة مع ابناء الدنيا العوادي .. حين ذاك جعلوا منه قائدا – ما تبقى منهم – و سيدا .. وسار بهم بالليل و النهار لا يفترون .. و من حين لاخر يأتي اخرون و يلتحقون .. بعدما علموا أن السلامة في صحبة الاخيار الابرار .. الوارثين عن المصطفى المختار شفيعنا عند الواحد الجبار ..

Commentaires

Articles les plus consultés