كان الطفل في سن الثانية عشرة جبارا قبل دخول الاستعمار .. كيف ذلك ؟ اقرأ اذن

كان للمجتمعات الاسلامية قبل عقود قليلة مضت بساطة في العيش وعمق في الروابط الاجتماعية و قدسية في الاخلاق واحترام يصل الى حد التقديس للاعراف و العادات و التقاليد .. حينها كان للحديث عن الموروث الثقافي قوة و جادبية اسهمت بشكل كبير في توحيد الصفوف واعداد القوة التي ارغمت انف المستعمر في القرن العشرين .. ولنعد بعض الخطوات الى الوراء .. الى ما قبل دخول المستعمر الى البلاد العربية بشكل خاص ... كانت الكتاتيب القرانية تغطي كافة المناطق و القرى في الوقت الذي كان لا يتجاوز سكان المدن بالنسبة لسكان القرى 6 في المائة .. يومئذ كان من اس التقاليد الاجتماعية العربية الدفع بالاطفال الى الكتاتيب القرانية في سن الثالثة من العمر و كان الاحتفال بالطفل الحافظ للقران الكريم -- في الغالب -- في سن السادسة او السابعة .. بعدها مباشرة و بالموازاة مع تعهد كامل للقران الكريم كان الانكباب على ألفية ابن مالك و على غيرها من مراجع النحو و الحديث و التفسير .. فاذا بلغ الطفل سن الحادية عشر او الثانية عشرة اصبح رصيده اللغوي ما يناهز 50 الف كلمة .. الان ومع كل الامكانت الهائلة التي تتمتع بها الدول الاوربية في مجال التربية و التكوين فان الطفل الاوربي وفي سن الثانية عشرة لا يتمكن من تحصيل الا 16 الف كلمة فقط حسب دراسة قيمة أعدتها الباحثة المصرية سهير السكري.فلنستمع الى هذه الباحثة المصرية بقلم الدكتورة عواطف العلوي حيث تقول :
   "في إحدى مقالاتي عن اللغة العربية، طرحت تساؤلا لطالما شغل تفكيري: ألا تلاحظون أن لغتنا باتت ضعيفة رغم انتشار المدارس، بينما كانت أقوى في زمن الأمية و«الكتاتيب»؟ لم أتمكن من وضع يدي على السبب تحديدا، ولا إيجاد تفسير للعلاقة غير المنطقية بين انتشار المدارس النظامية وتردي اللغة العربية، حتى وقعت بالصدفة على تسجيل لمقابلة أجراها التلفزيون مع إخصائية للغويات، أميركية من أصل عربي، عملت في جامعة جورج تاون واشنطن لأكثر من 40 عاما، الدكتورة سهير السكري.
كان محور بحوثها ودراساتها هو الطفل، وسبب اهتمامها به أنها وجدت فرقا شاسعا بين طفلنا والطفل في العالم (المتقدم). فأطفالنا منذ ولادتهم وحتى وصولهم المدرسة يتكلمون فقط اللهجة العامية التي اكتسبوها من الأم في البيت، والتي لا تتجاوز حصيلتها 3 آلاف كلمة، ما يعني حدودا ضيقة لمساحة التفكير والإبداع والتصور التي لا تتحقق إلا باللغة، بينما الطفل الغربي يدخل المدرسة في سن الثالثة بحصيلة لغوية تصل إلى 16 ألف كلمة هذه المعلومة الصادمة التي عرفتها د. سهير وهي تدرس اللغويات أصابتها بالرعب والقلق على مستقبل أطفالنا. ثم وقع بيدها كتاب مشهور جدا اسمه «الإسلام الثوري» لكاتبه جيسون، كان محرما توزيعه لفترة استمرت 75 سنة خوفا من أن ينبه العرب والمسلمين إلى سر قوتهم وضعفهم.
ذكر الكاتب في كتابه هذا أن الإنجليز والفرنسيين قبل استيلائهم على الدولة العثمانية قاموا بإجراء دراسة وبحث عن أسباب قوة الفرد المسلم وسر امتلاكه لتلك الصلابة الجبارة التي مكنته من غزو العالم من المحيط الأطلسي إلى الهند حتى وصل مشارف فيينا، فوجدوا أن السر يكمن في نظام تعليم الطفل المسلم آنذاك، حين كان يذهب من سن الثالثة حتى السادسة إلى ما كان يعرف بـ «الكُتّاب» ليحفظ القرآن ويختمه، ولك أن تتخيل حجم القدرة الإبداعية لدى من يحفظ القرآن الزاخر بأكثر من 50 ألف كلمة تمثل أهم وأفصح وأجمل التركيبات اللغوية والصيغ البلاغية، تثبت وتحفر في الذاكرة، فيتقنها رغم استخدامه للهجة العامية في البيت، ما يقيه الوقوع في مشكلة الازدواج اللغوي (دياجلوسيا)، أي الضياع بين لغتين عامية وفصحى لا يجيد إحداهما، ثم يستكمل إتقانه لها وهو في السادسة إلى السابعة من عمره بتعلمه قواعد نحوها وصرفها بحفظ ألفية ابن مالك التي تضم ألف بيت شعر تشمل كل قواعد اللغة العربية الفصحى. ناهيك عن الزخم الإيماني والخلقي الذي يكتسبه من قراءته للقرآن يلازمه طيلة حياته، فيظل يؤمن بأنه ليس وحيدا في نضاله، بل هناك عين الله تحرسه دوما وتؤازره أينما حل. لذا كان الفرد العربي أكثر قوة وصلابة وإقداما من نظيره الغربي، والفضل في ذلك كله يرجع إلى نوع التعليم الأولي المتمثل في (الكُتّاب).

وعلى ضوء نتائج تلك الدراسة خطط الإنجليز والفرنسيون لقتل الهوية العربية والعزيمة الإسلامية وذلك على النحو التالي: في البلاد الخاضعة للحكم الإنجليزي تم حصر تعليم القرآن في الكتاتيب وربطه بفئة الفقراء والأسر المعدمة، والتوسع في إنشاء مدارس حكومية حديثة للطبقة المتوسطة يدخلها الأطفال بعد السادسة لضمان انتهاء الفترة الذهبية من حياة الطفل التي كان يمكن أن يكتسب خلالها حصيلة هائلة من لغته الأم، وإنشاء مدارس أجنبية لأولاد الأغنياء يكون تدريس اللغة العربية فيها ضعيفا جدا أو معدوما، مع ربط التعليم الأجنبي نفسيا واجتماعيا بالتقدم والتميز الطبقي وفرص الثراء. أما في البلاد الخاضعة للحكم الفرنسي فاللغة العربية لم تعد تدرس في المدارس العامة، حتى كادت تتلاشي في تلك البلاد إبان الاحتلال الفرنسي. وكما ترون.. فقد نجحوا في تنفيذ مخططاتهم بامتياز" انتهى كلام الدكتورة عواطف العلوي.

Commentaires

Articles les plus consultés