..قال الاستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله  يتحدث عن خفة العقل و الدين:

ما انفصلوا عن الجماعة وتشددوا في النكير على الحكام إلا غضبا للدين وَرفضا للوُلاةِ من بني أمَيَّةَ. وكذلك حَكمَ على الظاهرة أهلُ المدينة والقراء الذين خرجوا على الحجاج صنيعةِ الغِلمة ورمزِ الجَوْر. وحكمُ الإمامِ الحسنِ ومَن رأى رأيَه من أهلِ الحَقِّ يُرجِعُ ظاهِرةَ التطرُّفِ إلى نِصابها النِّسْبِّيِ مِنْ كونها رفضاً لواقعٍ مكروه أغْضَب فِتيةً مؤمنين على مُنْكَرٍ لا يُتمَل. ظاهرةُ الغُلُوِّ في شباب الصحوة مُتَنَفَّسٌ قبلَ كل شيء لغَضَبٍ مَكْبوت.
فتية استيقظوا لجرائم البغي فكرهوا البغاة، ولم يجدوا حولَهم إلا غُثاءً مِن الناس وهم المتشبعون بروحِ الجِهاد. انطلقوا في "غزوات " حُرَّة، معهم بضاعة مُزاة من العلم، وحصيلة تقارب الصفرَ من الحكمة والتجربة، فشرَدوا في دروب التقلقل، وانكمشوا في جماعات منغلقة توالدت فيها أنواع"الاجتهادات " الشاذة، وتصرف فيها الأميرُ المُطاعُ وهو في مقتبل العمُر واغترار الزعامة. والزاد من معرفة الدين كما صنعه نظام التعليم الرسمي البئيس، وكما لفقته اطلاعات مَكتبية مشتتة، وكما فهمه عقل » طازج « ، لم يتمرَّس بأهل الذكر ولم يسألهم ولم يثق بهم، ولا يراهم إلا خوَنَةً للدين  .بإزاء كل نظام جبريٍّ في بلاد المسلمين جهاز رسمي من الموظفين الدينيين . لاُقبل في صف هذه الوظيفة "الجوقية "  إلا ضعفاء الإرادة من أهل العلم، الخجولون من كل مواجهة، الساكتون عن الحق جُبنا أو تأوُّلاً، المستعدون لتحريق البَخورِ على أعتاب النظام الحاكم.
هؤلاءِ العلماءُ الضائعون السائرون في رِكابِ الهلَكة الطاغوتية أصبحوا في نظر
الشباب المتشدد رموزاً للخيانة. وَهُمْ في الواقع، باستثناء ساقطي الهمة وهم قلة،
ضحايا فتنة تسوق الأمة شبابَا المتنطعَ وعلماءَها الخاملين في"منطق الساحة ."
هلَك المتنطعون لَمّا تَصدَّوْا لسيْلِ الفتنة، ليس معهم إلا إخلاصُهم للقضية الكبْرَى
التي وجدوا فيها رَفْعاً لقيمتهم المهدورة. وفي أثناء المعركة التي يحسبونها أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر التفتت إليهم العِلَّة الموروثة في الحُكم فحاربتهم، والتفّتْ عليهم العِلةُ الموروثة في النفوس، التي لم تهذبها تربية ولم يتعدها تعليم سليم ولم ترعها ربانية تتجاوز بهم آفاق الأشَر والبطر وأخواتهما، فدكتهم تحت كلكلها. هلكة في هلكة في هلكة.

قال الإمام النوويّ رحمه الله في شرح » التنطع«التقعر في الكلام بالتشدّق، وتكلف الفصاحة، واستعمال وحشيِّ اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم.

Commentaires

Articles les plus consultés