الانسان لا يفكر بعقله و انما يفكر بلغته.
الانسان لا يفكر بعقله و انما يفكر بلغته.
نحن لا نفكر الا في حدود اللغة التي نتقنها .. المصطلحات و المفردات أدوات و آليات التنسيق بينها لتكوين التعابير و الجمل المفيدة هي الميكانيزمات التي تفيد في التعبير و شرح الظواهر و الاوضاع و السياقات الاجتماعية .. أصبح الآن من البديهي أن الذي لا يملك القدرة على التواصل غير نافع على الاطلاق ولو كان يملك من العلم ما يملك ما دام انه غير قادر على تحقيق الارتباط اللغوي .. في المجتمعات العربية و التي تتحدث العامية بصفة عامة عدد المصطلحات المستعملة للتواصل هو 3000 كلمة تقريبا حيث تتشكل مصطلحات العامية من كلمات ركيكة مستهجنة من طرف اللغة العربية الفصحى ... حينما ينتقل الطفل في سن السادسة او السابعة الى المدرسة يجد نفسه مرغما على التحدث بلغة أجنبية عنه و هي اللغة العربية الفصحى : يحس بعجمتها .. أضف الى ذلك أن المعلم عندنا نفسه لا يتقن اللغة العربية .. وقد ثبت أن جل المعلمين و الاساتذة يتحدثون الى تلامذتهم بالدارجة العامية ... الحصيلة لا أقول هزيلة أو حتى كارثية بل أقول كما قالت الخبيرة الاممية سهير السكري : لقد أصبحنا أمة بدون لغة .. اي اننا لا نستطيع التفكير ... في الامم الاوربية حيث الهوة بين لغة الام و اللغة الرسمية ضئيلة جدا ... يدخل الطفل بحصيلة لغوية تصل الى 16 الف كلمة .. وهو رصيد لغوي أكبر بكثير مما لدينا نحن .. أين المشكلة اذن ؟ المشكلة تكمن في التالي : أصبحنا الان نعلم علم اليقين أن طفلا نشأ في حضن أسرة عربية حتى وصل العشرة لا يمكن على الاطلاق أن يفكر بلغة غير لغته الأصلية .. وفي حالات شادة حينما يتمكن شخص من اتقان لغة غير لغة أصله و استطاع أن يفكر و يعبر و يبدع بها .. فاننا نعلم أكثر من أي وقت مضى أن لكل لغة حمولتها الثقافية و التي تختلف جدريا عن أي لغة أخرى .. فان هذا الشخص لن يفيد أمته بأي شكل من الاشكال .. هذه أمور أصبحت معلومة بديهية .. ويبقى التساؤل الذي يصيب العقل بالحيرة البالغة .. مسؤولينا في هذا البلد الأمين ألا يفهمون هذه البديهيات ؟ كيف يقبلون على أنفسهم أن يدخلوا منظومتنا التعليمية في هذه الدوامة الفارغة السائبة الماحقة الساحقة ؟
الطفل الآن اذا دخل الى الكتاب في سن الثالثة – كما كان الحال قبل دخول الاستعمار – فانه يحفظ القرآن في سن السادسة و كانت العادة بعد ذلك مباشرة أن يحفظ ألفية بن مالك فتصبح حصيلته اللغوية و هو في سن السابعة 50 الف كلمة .. بعد ذلك يبدأ في قراءة كتب التفسير و الحديث و الفقه و السيرة و التاريخ .. فاذا بلغ سن الخامسة او السادسة عشرة أصبح جبارا عالما مفسرا نحويا قادرا على تمثيل أمته بتفكيره و تعبيره و بالتالي مدافعا عن أمته مقنعا مفندا و حصنا حصينا ضد كل غزو خارجي مهما كان شكله و مهما كانت أساليبه .. ومن أراد أن يتأكد من هذا ما عليه الا أن يطلع على جامعة تكوين العلماء بشنقيط بموريطانيا .. حيث ما زالت أساليب التلقين تحافظ على ما كانت عليه في الازمنة الغابرة و التي يرأسها العلامة محمد الحسن ولد الددو و الذي يبهر بعلمه كل من يستمع اليه و يعتبر موسوعة متكاملة من العلوم أهمها التاريخ و التفسير و النحو و الفقه و الحديث و غيرها .. أما الوسائل الحديثة في التلقين في المدارس الحديثة فقد اثبتت فشلها الدريع على كافة المستويات و رغم كل ذلك ما يزال المسؤولون عندنا يجربون و يعيدون التجريب و يقررون الاصلاح ثم اصلاح الاصلاح و هكذا .. أجيال و أجيال ضاعت و استفرغت من كل شيئ جميل حتى اصبحت تعادي امتها و تحاربها .. والتساؤل ما يزال مطروحا : هؤلاء الذين تحملوا المسؤولية اما أنهم لا يفهمون و اما انهم متواطئون هم كذلك ضد امتهم .
Commentaires
Enregistrer un commentaire