المؤمنة مشرفة مكَلَّفة من كتاب العدل الاسلاميون و الحكم للاستاذ عبد السلام ياسين

الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يظلم المؤمنَ حسنة، يُعطَى بها في الدنيا، ويُثاب عليها في الآخرة. وأما الكافِر فيُطعَم بحسناته في الدنيا، حتى إذا أفضَى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعُطَى بها خيرا ». رواه الإمامان أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه. في الدنيا يتواصَلُ المؤمن والمؤمنة بكلمة الله، فتلك الحياة الطيبة. ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ 1. المرأة الصالحة للرجل الصالح نعمة ما مثلها نعمة: يتعاونان على دنياهما وأخراهما. «الدنيا متاع  ]أي امتداد قصير[، وخير متاعها المرأة الصالحة ». حديث نبوي رواه مسلم والنسائي عن عبد الله بن عمرو. طابت حياته وحياتها هنا لِمَا يَتَيَقَّنان من أنها عبورٌ إلى دار البقاء، فيأخذان نصيبَهما من نَعمة الدنيا دون أن يستعجلا ما هو من شأن الآخرة: النعيم المقيم. وباليقين المسبق والجزاء المحقق تطيبُ آخرتهما.
أما الذين كفروا فينادون يوم القيامة: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ 1. ما بالُنا نتزَيَّن بلباس الإيمان خُفْيَةً ثم نَزفُّ لنخلَعه عندما نجلس إلى مائدة الحضارة المستكبرة الفاسقة لنتنصَّل من وصمة «الغيبية ؟» للمرأة وخصوصية جنسها وجمالها وجاذبيتها معنى كونيٌّ مصيريٌّ، دنيوي أخروي، لا سبيلَ لإدراك حكمة الشرع فيما أمر ونهى بصددها من دون استحضاره والاستبصار به. هذا المعنى هو أنها فَصُّ زينة الدنيا وملخَّصُ شهواتها للرجل، وملتقى أمانيه. فهي بذلك للرجل، وهو بذلك لها، السؤالُ العويصُ من بين أسئلة الامتحان. التعلق الفطريُّ للذكر بالأنثى، وهيُامُ الرجل بجمال المرأة، وما تَغَنَّ به الشعراء في حبها، وما تقاتَل عليه الرجال لنيل رضاها أو لحيازة جسمها، إنما هو من أثر التزيين الإلهي المغروز في الفِطر، المجعولِ فيها فتنة واختبارا ليعلم الله من يخافه بالغيب، و﴿لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. زينَةٌ من الزينات هي المرأة، أعظمُها وأسبقُها. امتحان هي عسير لمن تجاوز حدود الله فيها فظلمها وهي الضعيفة، أو نَهَبَها وهي الجميلة، أو عبدَها وهي بشر.
كل ما على الأرض من زينة ابتلاء. قال الله عز وجل: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً 1. لكن المرأة هي الزينة على السبق والإطلاق. فاختيار الغريزة الهابطة مسلكا معها انحطاطٌ إلى الحياة الدنيا. واختيارُ شرع الله في معاشرتها، واختيارُها هي شرعَ الله في نظام حياتها، شَرْطا استحقاق للحياة الطيبة دنيا وأخرى. قال الله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ 2 فجاءت المرأة على رأس قائمة شهوات الدنيا. وجاءت المرأة عديلةَ الدنيا بأسرها في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدنيا حلوةٌ خَضِرَةٌ. وإن الله مستخلفُكم فيها فينظُرُ كيف تعملون. فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء. فإن أولَ فتنة بني إسرائيل كانت في النساء رواه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
لهبوط إيماننا بالآخرة نجاري الماديين في حديثهم عن المرأة، وننزلق إلى منطقهم طوعا أو كرها، ونجرد المرأة من معناها الوجودي لنتبارَى معهم ونقارِن المزايا التشريعية على بساط أرضيٍّ محض. وذلك عَمىً والعياذ بالله. قال الله عز وجل عن المشركين: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ. ادَّارَكَ: نزل إلى أسفل مستوىً. وكما يدَّاركُ العلم بالآخرة والإيمان بها إلى دركة العمى كذلك يرقَى إلى درجة اليقين. سؤالنا الدائم: كيف يرقى؟ لقد خاطب الله جلت عظمته المؤمنات بمعنى وجودهن في الدنيا، وبمعنى الدنيا، وبمصير الآخرة، حين أمر رسوله بتبليغ هذا البيان لنسائه بالأصالة ولنساء العالمين بالمثال فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ 1. بهذا البيان يجب أن نخاطب المرأة، ولا نترك أهل العقلانية والمادية والوجودية والتحررية يُلون علينا أسلوب الدعوة. هو خيار مطروح للمرأة بين الدنيا والآخرة. إن اختارت الدنيا وزينتها وكفرت باليوم الآخر فعليها ما تولت من أوزار الحضارة المادية، تكون لعبتَها ودميتها وهي في الآخرة من الخاسرين. وإن هي اختارت الآخرة فلها نصيبها من الدنيا، وللرجل نصيبُه منها في كنف العفة والطهارة والمحبة والتآزر والتعاون على تعب الرحيل والعبور إلى دار البقاء. ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ 2.
المؤمنة مشرفة مكَلَّفة
ما يُفيد أن نطارد ظواهرَ المخالِفات والقلوبُ منطوية على باطن الإثم؟ بل ما هو الضرر البليغ الذي تجترحهُ أيدي بعض الشباب يلاحقون النساء في الشوارع بالخشونة والأذى ليفرضوا عليهن عقد خرقة على رؤوسهنّ! ما يعمل وازع الخشونة إن تقدم وبارز بالعداوة إلا أن ينُفِّرَ المسلماتِ من دينهن، وأن يوطِّدَ سْمعَة أنَّ الإسلاميين وحوشٌ ضاريَة. وما كلف الله عز وجل عامة المؤمنين أن يَعْنُفوا على الناس في مُنكر صغير إن كان العنف يلِدُ منكراً كبيرا. وأي منكر أشد من التعسير والتقتير بَدَلَ التيسير والتبشير ! إسلامهنَّ هو الأصلُ، والرفق هو المنهاج الإسلاميُّ، ووازع القرآن والدعوة أسبق. حتى إذا تقُُبلت فرائض الدين وبقيت الشاذات والشاذون كان لسلطان المسلمين أن يفرض آداب الشارع وأن يمنع التبرج بما يناسب.
إن نساء المسلمين كرجالهم أحوجُ ما يكونون إلى من يعلمهم أمر دينهم ويجدده لهم. وللمرأة كما للرجل حرية الاختيار بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة. فلا نقدم العقوبةَ على التعليم، ولا المواخذة على الإعلام.

وإنَّ السكوتَ المُريبَ في وسائل الإعلام الحركية الإسلامية عن ذكر الآخرة والمآل والرحلة الضرورية وما وراءها في دار البقاء من جزاء وعذاب لثغرة شارعة إلى التيه في أدبياتٍ سياسيَّة تحليلية ثقافية مقارنة تُبعد المتلقي والمتلقية عن معاني الإيمان لتقربه إلى نضالية جوفاء.

Commentaires

Articles les plus consultés