الدعوة و الدولة .. منكتاب العدل و الاسلاميون و الحكم

إنه الغرق في لجج السياسة إن أقدمت الدعوة وقد وحدت صفوفها وتصرفت كما يتصرف الحزب الوحيد. تتحمل أثقال ميراث الماضي وحدها، وتزعم لنفسها وللناس أنها تتقمص آمال الشعب وتعكس إرادته وتنطق باسمه من دون الناس جميعا. إنها إن فعلت لن تلبث أن تتحول من فاعل محرِّك إلى مطية للأهواء والطموحات الشخصية عند أولئك الذين ينتظرون من يشق لهم الطريق ليتربعوا على كراسي الدولة. وعندئذ فسلام على الدعوة وأهدافها النبيلة. عندئذ تعود دورة الفساد دورانها، وينفر الشعب من مفسدي اليوم كما نفر من مفسدي الأمس الذين عارضناهم فكانت معارضتنا إياهم هي الرصيد المعنوي الذي رفعنا إلى ثقة الشعب. الحزب الوحيد إما يجيء إلى الحكم متجملا بنضال تحريري، وإما تفرزه الدولة بعد انقلاب عسكري. مآلُه طال الزمان أم قَصُر، بعد فترة شباب يُونِعُ فيها الحماس وتنُثَرُ فيها الوعود، إلى أن يصبح آلة بيروقراطية ثقيلة ملتصقة بالدولة، حاملة أوزارها. مآله أن يخنُق حرية الشعب ويُهمِدَ حيويته في محاولته لاحتلال المساحة السياسية بأكملها. مآله أن يثبط كل اعتراض، وأن يمنعه ويسجنه ويقتله، باسم إجماع شعبي هو وحدَه يترجم عنه. وعندئذ تعمل المعارضة في السرية، وتكشف عورات الحزب الدولة بدَل أن تهُديَ إليه عيوبَه.

إن الدعوة تفُسِدُ رصيدها وشرعيتَها التاريخية إن هي تصدت للحكم جاهلةً بالديناميات الاجتماعية، والتقلبات في الرأي العام، ووجود معارضة للحكم بما أنزل الله. متى جهِلْنا هذا الواقعَ وتصرفنا بالاعتماد على القسر والقهر لا على الإقناع والحوار والمشاركة والتدرج فمآلُنا من حيث كونُنا دعوة ودولة أن نتبخر عند أول هزة أو ثانيهاأو ثالثها. وفي انهيار الحزب الوحيد بروسيا وبأوربا الشرقية وفي كل مكان العبرة لمن يعتبر. وذلك خراب عمِلَ فيه مِعولان: عدم صلاحية المذهب الاشتراكي وعدم صلاحية الأسلوب الاحتكاري للسلطة.

Commentaires

Articles les plus consultés